-->

الاثنين، 10 أغسطس 2015

آينشتاين العرب .. على مصطفى مشرفة حياة مشرقة وموت غامض



“لا أصدق أن مشرفة قد مات ، إنه لا يزال حياً من خلال أبحاثه”هكذا نعى آينشتاين تلميذه ومساعده الأول الدكتور على مصطفى مشرفة عندما علم بوفاته.
علي مصطفى مشرفة باشا عالم رياضيات مصري ، ولد في دمياط فى حي المظلوم، وكان الابن الأكبر لمصطفى مشرفة أحد وجهاء تلك المدينة وأثريائها، وقد قضى مشرفة السنوات الأولى من طفولته فى رغد من العيش وهناءة بال ، إلى أن تأثر والده فى سنة 1907م بأزمة القطن الشهيرة التي هزت الاقتصاد المصرى فهوت بالأغنياء إلى قاع الفقر وكان من جراء تلك الأزمة أنها أودت بمائتي فدان كان الوالد يمتلكها .
تلقى دروسه الأولى على يد والده ثم في مدرسة “أحمد الكتبي” ، وكان دائما من الأوائل في الدراسة ، ولكن طفولته خلت من كل مباهجها حيث يقول عن ذلك : “لقد كنت أفني وأنا طفل لكي أكون في المقدمة ، فخلت طفولتي من كل بهيج، ولقد تعلمت في تلك السن أن اللعب مضيعة للوقت، كما كانت تقول والدتي، تعلمت الوقار والسكون في سن اللهو والمرح، حتى الجري كنت أعتبره خروجاً عن الوقار.
وجد الدكتور عليّ مشرفة بعد وفاة والده نفسه رب عائلة معدمة مؤلفة من والدة وأخت وثلاثة أشقاء، فأجبرهم هذا الوضع على الرحيل للقاهرة والسكن في إحدى الشقق المتواضعة في حي عابدين، بينما التحق علي بـمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية التي أمضى فيها سنة في القسم الداخلي المجاني انتقل بعدها إلى المدرسة السعيدية في القاهرة وبالمجان أيضاً لتفوقه الدراسي، فحصل منها على القسم الأول من الشهادة الثانوية (الكفاءة) عام 1912، وعلى القسم الثاني (البكالوريا) عام 1914، وكان ترتيبه الثاني على القطر كله وله من العمر ستة عشر عاما، وهو حدث فريد في عالم التربية والتعليم في مصر يومئذ. وأهله هذا التفوق – لاسيما في المواد العلمية – للالتحاق بأي مدرسة عليا يختارها مثل الطب أو الهندسة، لكنه فضل الانتساب إلى دار المعلمين العليا، حيث تخرج منها بعد ثلاث سنوات بالمرتبة الأولى، فاختارته وزارة المعارف العمومية إلى بعثة علمية إلى بريطانيا على نفقتها.
التحق عام 1920 بالكلية الملكية فى لندن(kings college ) ، وحصل منها عام 1923 على الدكتوراه في فلسفة العلوم بإشراف العالم الفيزيائي الشهير تشارلس توماس ويلسون , ثم حصل عام 1924 علي دكتوراه العلوم من جامعة لندن وهي أعلي درجة علمية.

كان د. مشرفة على اتصال دائم ببحوثه العلمية فاستطاع أن يواصل ما بدأ من بحث جاد, ظهرت نتائجه فى البحوث التي نشرها فى الدوريات العالمية سنة 1929م عن حركة الإلكترون كظاهرة موجبة وعن ميكانيكية الموجات والمفهوم المزدوج للمادة والإشعاع ولم يكن هذا إلا تمهيدا للبحث اللامع الذي نشرة مشرفة سنة 1932م فانتشرت معه سمعته فى جميع الأوساط وصار ذكره مع كل لسان وهذا البحث بعنوان: هل يمكن اعتبار الإشعاع والمادة صورتين لحالة كونية واحدة ؟
وأضاف د.مشرفة نظريات جديدة في تفسير الإشعاع الصادر من الشمس ، إلا أن نظرية الدكتور مشرفة في الإشعاع والسرعة عدت من أهم نظرياته وسببًا في شهرته وعالميته، حيث أثبت الدكتور مشرفة أن المادة إشعاع في أصلها ، ويمكن اعتبارهما صورتين لشيء واحد يتحول أحدها للآخر.. ولقد مهدت هذه النظرية العالم ليحول الذرة إلى مواد إشعاعية.
وكان الدكتور “مشرفة” أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين حاربوا استخدامها في الحرب.. بل كان أول من أضاف فكرة جديدة وهي أن الهيدروجين يمكن أن تصنع منه مثل هذه القنبلة.. إلا أنه لم يكن يتمنى أن تصنع القنبلة الهيدروجينية ، وهو ما حدث بعد وفاته بسنوات في الولايات المتحدة وروسيا..
والجدير بالذكر أن كلية العلوم عندما أصبح عميدها تمتعت بشهرة عالمية واسعة ، حيث عني عناية تامة بالبحث العلمي وإمكاناته ، فوفر كل الفرص المتاحة للباحثين الشباب لإتمام بحوثهم ، و وصل به الاهتمام إلى مراسلة أعضاء البعثات الخارجية، كما سمح لأول مرة بدخول الطلبة العرب الكلية، حيث كان يرى أن القيود القومية والفواصل الجنسية ما هي إلا حبال الشيطان يبث بها العداوة والبغضاء بين القلوب المتآلفة , فدافع عن حق سميرة موسي في التعيين كأول معيدة امرأة في كلية العلوم و هدد بتقديم استقالته لو لم يتم التعيين. فتم التعيين و أصبحت سميرة موسي بعد ذلك عالمة ذرة لم تنجب مصر مثلها و كان ينتظرها مستقبل باهر لولا حادث مصرعها الغامض في أمريكا عام 1952.
يقول المؤرخون ” إن الدكتور مشرفة أرسى قواعد جامعية راقية ، حافظ فيها على استقلالها وأعطى للدرس حصانته وألغى الاستثناءات بكل صورها، وكان يقول : ” إن مبدأ تكافؤ الفرص هو المقياس الدقيق الذي يرتضيه ضميري ” .وحول الدراسة في الرياضة البحتة باللغة العربية، وصنف قاموسًا لمفردات الكلمات العلمية من الإنجليزية إلى العربية, ونُشر للدكتور مشرفة ما يقرب من ثلاثين مقالاً منها :سياحة في فضاء العالمين, والعلم والصوفية, واللغة العربية كأداة علمية, و اصطدام حضارتين, ومقام الإنسان في الكون .
ومن ناحية أخرى كان د.مشرفة حافظًا للشعر، ملمًّا بقواعد اللغة العربية، عضوًا بالمجمع المصري للثقافة العلمية باللغة العربية، حيث ترجم مباحث كثيرة إلى اللغة العربية .كما كان يحرص على حضور المناقشات والمؤتمرات والمناظرات ، وله مناظرة شهيرة مع الدكتور طه حسين حول أيهما أنفع للمجتمع الآداب أم العلوم ؟ .
وكان الدكتور مشرفة عازفًا بارعًا على الكمان والبيانو مغرمًا بموسيقى جلبرت وسلفن ، وكون الجمعية المصرية لهواة الموسيقى في سنة 1945 ، وكان من أغراضها العمل على تذليل الصعوبات التي تحول دون استخدام النغمات العربية في التأليف الحديث .
وكان من أهم الأقوال التي يرددها الدكتور مشرفة “لقد شهدت البشرية نشأة حضارات عديدة وازدهارها على سطح الأرض ، لكن قليلاً من تلك الحضارات هي التي استمرت وبقيت ، ومن ثم فلا بد أن نسأل أنفسنا عن سبب ذلك، لقد فكرت في ذلك كثيراً ووجدت أن نبوغ مجموعة كبيرة من مواطني مجتمع ما كفيل بقيام حضارة مع وجود العوامل الأخرى المساعدة في قيام الحضارة ، لكن اهتمام هذه المجموعة ببناء جيل يكمل بعدها المسيرة كفيل باستمرار حضارة تلك الشعوب ، لكن إن لم تهتم هذه المجموعة ببناء جيل جديد سوف تنتهي تلك الحضارة ، وسوف تندثر وتزول بمرور الأيام ، أعتقد أنني الآن أجبت عن سؤال يدور في عقل الكثيرين، وهو لماذا بقيت الحضارة المصرية شامخة حتى الآن ؟ واندثرت غيرها من الحضارات ؟.
و من أقواله أيضاً المذهلة هو تنبؤه في ثلاثينيات القرن الماضي أن مصادر الطاقة الحالية سوف تنفد و لابد من التوجه إلي مصادر طاقة بديلة مثل الطاقة الشمسية, ورأى أيضاً أنه لابد لمصر من تصنيع قنبلة ذرية لأن هذا سيمثل أداة ردع فعالة للقوي الأخرى التي تمتلك أسلحة نووية.

باتت ظروف وفاة د. مشرفة المفاجئة غامضة للغاية, وكانت كل الظروف المحيطة به تشير إلى أنه مات مقتولاً إما على يد مندوب عن الملك فاروق, أو على يد الصهيونية العالمية, ولكل منهما أسبابه.
قد يكون للنظام الملكي المصري في ذلك الوقت دور في قتله, خاصة إذا علمنا أن د. مشرفة قام بتشكيل جماعة تحت اسم “شباب مصر”, كانت تضم عدداً كبيراً من المثقفين والعلماء والطلاب, وكانت تهدف لإقصاء نظام فاروق الملكي وإعلان مصر جمهورية عربية مستقلة. وذاع أمر هذه الجماعة السرية ووصلت أخبارها إلى القصر الملكي، مما يعطي للقصر مبرراً للتخلص من د. مصطفى. أما الصهيونية العالمية فيكفي أن نقول أن نظرتهم للطالبة النابغة د. سميرة موسى لن تختلف عن نظرتهم لأستاذها الأكثر نبوغاً د. مصطفى مشرفة, ولعبت الصهيونية لعبتها القذرة وهي التصفية الجسدية, وكانت وجهة نظر واحدة تعني التخلص منهما ومن أمثالهما ولهذا فمن الواضح أن وجهة النظر القائلة بأن الصهيونية هي من تقف وراء نوم د.مشرفة الأبدي هي الأقوى لأن هذه الحالة ليست الوحيدة التي يقوم بها أعداء العرب عموماً, وسواء كان هذا أم ذاك فقد خسرت مصر ثروة عالم حقيقي كان هدفه الأول والأخير هو خدمة بلاده التي لم تقف إلى جانبه ولذا لم يبقى فى أيدينا شئ إلا أن نقول وداعاً د.على مصطفى مشرفة إنا لفراقك لمحزونون.
تعليقات فيسبوك
0 تعليقات بلوجر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتصل بنا

الإسم الكريم البريد الإلكتروني مهم الرسالة مهم
كافة الحقوق محفوظةلـ موقعنا جميعا 2016
تصميم: حميد بناصر